الربيع الإفريقي: لماذا تدعم أمريكا إسقاط النظام الإثيوبي؟

بعد سلسلة من الجرائم والانتهاكات التي وصفت في كثير منها بأنها الأكثر دموية في تاريخ البلاد، ها هو النظام الحاكم في إثيوبيا يواجه شبح الانقلاب بعدما طفح الكيل بالشعب المغلوب على أمره، والذي تحمّل وحدة فاتورة عشرات السنين من القهر والظلم والعبودية والعنصرية.

ما يزيد عن مائتي قتيل، بحسب تقارير المنظمات الحقوقية الدولية، خلفتها الآلة العسكرية والأمنية النظامية في أقل من عام، جرّاء المواجهات الدموية مع فصائل المعارضة الإثيوبية التي خرجت تنديدًا بالفساد والظلم الواقع عليها من الحكومة، ما دفع القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة للتعاطف مع الشعب المقهور في مواجهة بطش النظام الحاكم، لتضع العديد من علامات الاستفهام حول مستقبل هذا التعاطف، ومدى إمكانية تحوله إلى دعم على أرض الواقع لقوى المعارضة يقود في النهاية إلى إسقاط نظام ملاتو تشومي، ليكون أول عربة في قطار الربيع الإفريقي الجديد.

غياب الديمقراطية والفشل الاقتصادي

تعاني إثيوبيا خلال العقود الأخيرة من حزمة من الأزمات السياسية والاقتصادية التي ساعدت بشكل كبير في دفع حالة التأزم والعداء بين النظام والشعب إلى ما وصلت إليه الآن.

سياسيًا: فقد أدى غياب الديمقراطية وانتهاج سياسة حكم الفرد وترسيخ مبادئ الديكتاتورية فضلاً عن العنصرية في التعامل مع فئات الشعب إلى اتساع الفجوة بين النظام والمواطنين بصورة أفقدت الأخير ثقته الكاملة في الحكومة ومن ثم رفض جميع ما تقدمه شكلاً ومضمونًا.

كما أدت سياسات التهميش لبعض القبائل على حساب الأخرى إلى تغذية روح الحقد بين طبقات المجتمع، مما ساهم بشكل كبير في زيادة رقعة الكراهية المجتمعية بصورة تحولت بعد ذلك إلى مواجهات دامية وحرب أهلية بينهم كما سيأتي ذكره لاحقًا.

اقتصاديًا: في الوقت الذي يحتفي فيه العالم بإثيوبيا كأحد الاقتصاديات العالمية الأكثر نموًا نتيجة الارتفاع الحاد للناتج المحلي الإجمالي المرتبط بالاستثمارات الأجنبية الضخمة في مجالات المرافق والخدمات خلال السنوات الماضية، إلا أن الملاحظ للجميع معاناة الشعب الإثيوبي من تراجع واضح في مستوى الموارد والدخول أدى إلى تدني المستوى المعيشي في ظل فشل السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية المتبعة، إضافة إلى تخصيص موارد الدولة لفئة دون أخرى، مما أدى إلى زيادة أعداد المهددين بالموت جوعًا.

كذلك اعتماد المنظومة الاقتصادية بشكل رئيس على مشاريع استثمار القطاع العام مقابل ضآلة حجم استثمارات القطاع الخاص، وهو ما ساهم في الحيلولة دون تحول اقتصادي حقيقي في مضمار التقليل من نسب الفقر والحد من الاعتماد الطاغي على الزراعة.

وبالرغم من أن إثيوبيا تعد بلدًا زراعيًا في المقام الأول، حيث يعتمد أهلها على الزراعة ومنتجاتها، إلا أن للحكومة رأي آخر ساهم في سلب الإثيوبيين أهم مصادر دخلهم، حيث تقوم حاليًا بتأجير مساحات واسعة من الأراضي لمستثمرين أجانب من الهند والصين وبعض دول الشرق الأوسط، وذلك عبر قوانين أقرتها الحكومة مؤخرًا، مما أثر على المساحة المخصصة للمواطنين لاسيما وأنه وبحسب القانون أيضًا فإن الحكومة الإثيوبية تملك جميع الأراضي الزراعية إلا القليل المملوك لبعض القبائل والجماعات.

كما ساهمت ظاهرة “إلنينيو” المناخية التي تضرب مناطق واسعة من العالم مؤخرًا، في تفاقم حالة الجفاف في إثيوبيا وبالتالي شح الغذاء بشكل كبير، وبحسب التقارير الرسمية الحكومية فإن هناك ما يقرب من عشرة  ملايين إثيوبي خاصة في منطقة أوروميا مهدد بالجفاف والموت جراء هذه الظاهرة المدمرة.

 العنصرية والتهميش

قديمًا قال علماء الاجتماع إن الحقد المجتمعي وانتشار الكراهية بين أفراد الوطن الواحد هو أول مسمار في نعش الاستقرار والتماسك، ومن ثم فهو الباب الأكثر اتساعًا لنشوب الحروب الأهلية والصدامات المتتالية بين الجميع، وهو ما يحدث صباحًا ومساءً في إثيوبيا.

مدير البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتورة أماني الطويل، قسّمت الخريطة المجتمعية الإثيوبية إلى قسمين لا ثالث لهما، القسم الأول: ويمثله قبيلة “التجراي” ذات الأقلية العددية، ومع ذلك هم من يملكون السلطة، ويسيطرون على مقادير الأمور هناك، سياسيًا واقتصاديًا، القسم الثاني: ويمثله قبيلتا “الأورومو والأمهرة” ذات الأغلبية العددية، ومع ذلك فهم يُعانون من التهميش والتجاهل لحساب القسم الأول، مما أدى إلى زيادة وتيرة الاحتجاجات في الفترة الأخيرة.

الطويل أشارت في تصريحات لها أن القبائل ذات الأغلبية العددية لا يملكون سوى 44% من ثروة البلاد، كما أنه ليس لهم أي تمثيل سياسي في الحكومة، في الوقت الذي تتمتع فيه “التجراي” بكامل السلطات والنفوذ، مما أدى إلى مزيد من الاحتجاجات والمواجهات الصدامية بين الطرفين، في ظل زيادة عمليات القمع التي يتعرض لها المهمشون في إثيوبيا على أيدي السلطات الحكومية.

ومن مظاهر العنصرية التي يتعرض لها الإثيوبيون أيضًا والتي ساهمت في اتساع الفجوة بينهم وبين الحكومة، ما أقدمت عليه الأخيرة من الاستيلاء على أراضي بعض القبائل وتهجير أفرادها بصورة عرقية عنصرية فجة، وهو ما حدث مع “الأورومو” أكبر المجموعات العرقية في البلاد.

الشرارة الأولى

كانت الخطوات الحكومية الإثيوبية الرامية إلى توسعة العاصمة أديس أبابا على حساب الأراضي الزراعية المملوكة لقبيلة الأورومو الشرارة الأولى للغضبة الشعبية ضد النظام الحاكم وذلك في نوفمبر من العام الماضي.

البداية حين اعترض عدد من الطلاب مخطط الحكومة التوسعي، فضلاً عن الاستيلاء على أراضي الأجداد وتسليمها للمستثمرين الأجانب، في صورة مظاهرات احتجاجية سلمية، قابلتها الأجهزة الأمنية حينها بالرد الرادع الذي أسفر عن مقتل 400 شخص وجرح الآلاف واعتقال عشرات الآلاف، قبل أن تضطر الحكومة – على وقع حالة الانفلات الأمني ومخاطر اندلاع تمرد مسلح – إلى التراجع عن مخطط التوسعة.

كانت مدن هارامايا وجارسو وواليسو وروبي، هي المحور الأساسي لاندلاع الانتفاضة الأولى، إضافة إلى عدد من المدن الصغيرة الأخرى، واستمرت هذه المواجهات قرابة عشرة أشهر في مواجهات وصدامات يومية، حوّلت البلاد إلى ساحة للفوضى وغياب الأمن.

وفي الثاني عشر من الشهر الماضي اندلعت شرارة الانتفاضة الثانية، لكنها هذه المرة في مناطق قبيلة الأمهرة (ثاني أكبر قوميات إثيوبيا)، وذلك على خلفية محاولة اعتقال نشطاء حقوقيين بدعوى الاشتباه بتورطهم في أنشطة إرهابية، وخلال أسبوعين دخلت على الخط مدينة غوندر كبرى مدن الإقليم من خلال تظاهرة احتشد فيها مئات الآلاف نددت بانتهاكات الحكومة – التي تهيمن عليها أقلية التغراي – ضد إثنية الأمهرة، ليسقط ما يقرب من 200 قتيل نسبة كبيرة منهم من الأطفال دون 12عامًا، فضلاً عن اعتقال عشرات الآلاف.

ثورة قادمة و”أوروميا” نقطة البداية

دفعت هذه المواجهات الدامية بين الحكومة والشعب بعض المعارضين والمحللين السياسيين إلى وصف ما يحدث بأنه ” ثورة” ضد نظام الرئيس ملاتو تشومي، والذي مارس كل أنواع الظلم والتنكيل والقهر ضد غالبية الإثيوبيين وذلك لحساب فئة قليلة من الشعب.

انتفاضة شعب الأورومو ضد نظامه الحاكم طال انتظارها حسبما أشار البعض، فلقد تأخرت كثيرًا في ظل تحمّل الشعب ظلم حاكمه لسنوات طويلة، إلا أنه ومع ذلك اعترض المنتمين لهذه القبيلة وصفت الحكومة لهذه الانتفاضة بأنها “صراع عرقي”، مشيرين أنها ثورة كاملة تنتصر لإرادة غالبية الشعب الإثيوبي.

ومن خلال قراءة سير الاحتجاجات في الفترة الأخيرة يلاحظ أن نقطة الانطلاق الاولى لهذه الثورة هي مقاطعة أوروميا، والتي يسكن بها ما يقرب من 27 مليون مواطن، معظمهم مهددين بالموت جوعًا.

أوروميا هي واحدة من المقاطعات التسعة المبنية على أساس عرقي في إثيوبيا، تبلغ مساحتها 285 ألف كيلومتر مربع وهي منطقة شاسعة تبلغ ربع مساحة إثيوبيا تقريبًا، يحيا 24 مليون في الريف وفي ظروف اقتصادية طاحنة، بينما يعيش 3 مليون شخص في مناطق حضرية، هذه النسبة القليلة لسكان الحضر تمثل عاملًا مؤثرًا في وصول البلاد ومنطقة أوروميا إلى المجاعة، وحتى يمكن تلافي مثل هذه الحوادث مستقبلًا فإن خبراء الأمن الغذائي يفضلون نقل جزء كبير من سكان الريف إلى المراكز الحضرية، خصوصًا مع طبيعة الأراضي الزراعية الفقيرة والتي لا تحظى بالرعاية المناسبة، والتي يمكن أن تتأثر بسهولة بالتغيرات المناخية.

تقطن في هذه المقاطعة عدة قبائل أبرزها قبيلة الأورومو التي تشكل 88% من إجمالي السكان، مقابل 7% من قبائل الأمهارا، ونسبة لا تتجاوز 1% من قبائل غوراج، ومن حيث الديانة فيمثل المسلمين نسبة 48% من إجمالي السكان مقابل 31% من المسيحيين الأرثوذكس و18% من المسيحيين البروتستانت، والبقية تتنوع بين الديانات التقليدية.

وتحتوي هذه المقاطعة على ثروات طبيعية كبيرة تنتج هذه المقاطعة 115 ألف طن من القهوة تمثل أكثر من نصف إجمالي إنتاج البلاد منها، أيضًا تحتوي المقاطعة على 17 مليون رأس من الماشية التي تمثل 44% من إجمالي الماشية بالبلاد، ويتملك فلاحو هذه المقاطعة متوسط 1.14 هكتار من الأراضي الزراعية لكل شخص، بينما متوسط التملك القومي في البلاد يبلغ 1.01 هكتار للفرد، وبالرغم من كل هذه الثروات إلا أنها مخصصة لسكان الحضر أبناء الطائفة المقربة للنظام على حساب الملايين من سكان القرى، والمهددين بالموت جوعًا.

أمريكا تدعم المعارضة

“في ظل القمع الممارس من الحكومة الإثيوبية ممثلة في وزارة الدفاع ضد جبهة تحرير شعب تيجري المعارضة والتي قتلت منها المئات كان من البديهي أن تدين إدارة أوباما هذه الجرائم وتنحاز للشعب المغلوب على أمره” بهذه العبارات استهل موقع “إثيوميديا” حديثه عما يجب على أمريكا أن تفعله لنصرة المقاومة الشعبية الإثيوبية ضد نظام تشومي.

الموقع الإثيوبي أشار في تقرير له إلى تعرض المجتمع الدولي للحرج أمام ما يحدث على الأرض الإثيوبية، من جرائم قتل وانتهاكات وعنصرية متوحشة، فضلاً عن تعلم جبهة تحرير شعب تيجري من أخطاء الماضي المتمثلة في عمليات القتل خارج نطاق القضاء، الذي كان من شأنه إعطاء ذريعة للمجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة لعدم الدفاع عن المعارضة، لكن اتباع الطرق السلمية من قبل المعارضة أحرجهم جميعًا، فلم يعد أمامهم سبيل للدفاع على النظام الإثيوبي الحالي.

الموقع وضع عدد من المحددات التي يجب أن تراعيها الولايات المتحدة في إعادة رسم خريطة سياستها الخارجية تجاه أديس أبابا، منها، الاعتراف بأن إثيوبيا مركز لتعايش الأديان الثلاثة الكبرى المسيحية والإسلام واليهودية، في منطقة مليئة بالاضطرابات سواء في القرن الإفريقي، أو في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، تعزيز علاقتها مع إثيوبيا من خلال الوقوف إلى جانب الشعب وليس الأنظمة، رغم أن وسائل الإنتاج مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالزراعة وخاصة إنتاج المحاصيل وتربية الحيوانات، فإن المساعدات الأمريكية يمكن أن تعزز هذا القطاع.

كما حث الموقع في تقريره إدارة أوباما وبرلمانه على مراعاة أن تفاقم الجوع والمرض، وعجز الحكومة عن توفير الخدمات الأساسية للجمهور سببه جذور المشكلة التي لم تعالج، إذ بدلاً منه اهتمت الحكومة بسحق المقاومة وقمع وسائل الإعلام والتواصل وخصوصًا الهواتف النقالة، وزاد القمع حتى أصبح معدله ينذر بالخطر، منوهًا إلى ضرورة تقدير الإدارة الأمريكية للعواقب غير المحتملة من غطرسة وتعنت النظام الحاكم الإثيوبي، وأن المقاومة السلمية للمعارضة مشروعة، وأنهما يجب أن يضغطا على الحكومة من خلال الاستثمارات وأصحاب المصالح الأجنبية الأخرى حتى تحيد الحكومة عن أسلوبها القمعي.

كما طالب الموقع الشعب الأمريكي بالضغط على إدارته السياسية لدعم المقاومة المشروعة ضد نظام تشومي المستبد، مداعبا الأمريكيين بأنهم شعب الدولة الأولى في العالم، ومن ثم عليهم أن يدافعوا عن الحريات والحقوق للشعوب الضعيفة، كما طالب الحكومة البريطانية بالقيام بالدور المنوط بها بجانب الإدارة الأمريكية بالضغط على الحكومة الإثيوبية لوقف مذابحها والانصياع لرأي الشارع والتنحي فورًا، وترك الساحة لنظام قادر على العدل والمساواة مغلبًا مصالح البلاد العامة على مصالح فئة بعينها مهما كان نفوذها وسطوتها.

الدعم الأمريكي للمعارضة الأثيوبية كفيل أن يعيد الولايات المتحدة إلى استعمار القارة من جديد، إذ تضمن حينها ولاء النظام الجديد، ومن ثم يكون قاعدتها الأولى نحو السيطرة على موارد القارة بعدما سحبت القوى الأخرى وفي مقدمتها الصين وإسرائيل والهند البساط من تحت أقدامها.

فهل تنتصر الإدارة الأمريكية لرأي الشارع الإثيوبي وتقف إلى جوار صفوف المعارضة كخطوة أولى نحو إسقاط النظام، ليدخل قطار الربيع الإفريقي أولى محطاته عبر بوابة إثيوبيا، تمهيدًا لمحطات أخرى قادمة لا تقل خطورة عن نظام تشومي في السنغال والصومال وغيرها من الدول التي تئن شعوبها تحت وطأة النظم الفاشية الديكتاتورية؟

 المصدر

أضف تعليق